الاستماع المباشر لراديو النجاح - السودان
المجتمع المدني: المفهوم والسمات
· يعرف (المجتمع المدني) على نطاق واسع بالقطاع ( الثالث)، أو(الطوعي)، أو (المستقل)، ويتكون أساساً من أنواع مختلفة من المنظمات؛ وتشمل الجمعيات، المؤسسات، الشركات غير الهادفة للربح، شركات المنافع العامة، منظمات التنمية، المنظمات المجتمعية، المنظمات الدينية، النوادي الرياضية، جماعات الدعوة، منظمات الفنون والثقافة، الجمعيات الخيرية، النقابات والجمعيات المهنية، منظمات المساعدات الإنسانية، الصناديق الخيرية والأحزاب السياسية .. الخ. وعلى وجه العموم يشار إليها بمصطلح (المنظمات غير الحكومية Non-governmental Organizations).
· إن فكرة المجتمع المدني تعتمد في جوهرها على التفريق بين المجالين (الخاص) و (العام)، وتشير تحديدا إلى المنظمات الوسيطة التي يمكن أن تمثل حلقة الوصل والربط بين المجالين. ولذلك نجد أن التعريف الأكثر شيوعا لمفهوم المجتمع المدني يقول بأنه: (المجال الذي تتلاقى فيه جماعة من المواطنين خارج إطار العائلة أو الدولة أو السوق لتدفع بمصالحها المشتركة إلى الأمام). ويفترض في تلك المنظمات النأي بنفسها دوما عن الصراعات الطائفية والحزبية والعقائدية والسياسية والدينية، لأن تدخلها فيها تنفي عنها أهم صفتين تميزانها عن غيرها من التنظيمات وهي: الطوعية والإستقلالية voluntarism and Independence
· في تعريفنا للمجتمع المدني ـــ وفي إطار هذه الورقة ــــ نفضل ونؤيد الإتجاه الذي يستثنى النقابات والأحزاب السياسية من ضمها إلى منظمات المجتمع المدني بإعتبارها الأكثر تأثيراً وتأثراً بالعملية السياسية وتمثل طرفاً صاحب مصلحة مباشرة .
· يتمتع المجتمع المدني بطبيعة تكوينه بـ (سمات جعلته يمتاز بخصوصية فريدة منحته مرونة سمحت له بلعب أدوار كثيرة ومتنوعة سواء في حالة السلم أو الحرب). أهم هذه السمات هي؛ التحضر، الاعتراف بالآخر وإحترامه، إعلاء مبدأ الحوار في حل الخلافات والدعوة الى التسامح ونبذ العنف. ومفردة (المدني) أو المدنية نفسها تتضمن صفات ومعاني التسامح والتفهم واستيعاب التعدد والتنوع وهي كلها دلالات مرتبطة بالمدن الحديثة والحضارة. أي مؤسسة أو منظمة تخالف هذه السمات في أدبياتها أو ممارساتها تخرج نفسها تلقائيا من خانة المجتمع المدني. واذا تأملنا في هذه السمات نجدها تعبر عن جوهر الفكرة الديمقراطية. وهذا الارتباط بين المجتمع المدني والديمقراطية يؤكد على أهمية وضرورة تعزيز الأول إذا أردنا للديمقراطية أن تؤمن ولثقافتها أن تسود في المجتمع.
الحوار الوطني في السودان: التجارب والتحديات
بالنظر إلى تجارب كثير من دول العالم في تجاوز أزماتها السياسية المستعصية والمعقدة نجد أن كل التجارب كانت تؤكد على ضرورة الإعتراف بالأزمة أولا ثم الإعتراف بأن الحل لا يحتمل غياب طرف من الأطراف الوطنية المتأثرة بالأزمة. فكانت الوسيلة والنهج الذي ارتضته غالب دول العالم المأزومة هو الدعوة الى حوار وطني حقيقي وشفاف لا يستثني أحدا. ثم تكرست فكرة الحوار الوطني كمخرج ذكي وفعال لأي أزمة وطنية معقدة يراد لها حلا سلميا مستداما.
عليه يأتي طرح النظام الحالي للحوار الوطني الشامل للخروج من الأوضاع المتأزمة التي يمر بها السودان حالياً في وقته تماماً، حيث أن البديل هو إما حدوث ثورة عارمة لا تضمن مآلاتها داخلياً وإقليمياُ وعالمياً، أو حدوث الإنهيار والفوضي والتفكك الشامل للسودان على طريق الصوملة والبلقنة. بالتالي تلتقي الرغبة الداخلية والإقليمية والعالمية على أهمية وضرورة وجود مخرج سلمي مأمون لا يسهم في المزيد من الإرباك للمنطقة، باعتبار أن هؤلاء جميعهم شركاء وأصحاب مصلحة في تحقيق الإستقرار في السودان.
· جاء خطاب الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير في السابع والعشرين من يناير 2014م يحمل دعوة للقوى السياسية جميعا للمشاركة في حوار وطني شامل تشارك فيه كل مكونات المجتمع وقواه السياسية يفتح طريقا جديدا للخروج من أزمات البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، حوارا تطرح فيه كل القضايا على الطاولة ودون شروطا مسبقة. أكثر من 80 حزبا أعربت عن موافقتها على المشاركة في الحوار الوطني وعلى رأسها حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر الشعبي.
تم تكوين آلية الحوار الوطني من 14 عضوا (7+7)؛ مناصفة بين الحكومة وقوى المعارضة ووضعت رئاسة الآلية بيد رئيس الجمهورية.
· هناك بعض القوى السياسية من تحالف الاجماع الوطني والحركات المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية أبدت ترحيبا بمبادرة الحوار الوطني ولكنها أشترطت تهيئة المناخ ببسط الحريات وإطلاق سراح جميع المعتلقين السياسيين والعفو عن المحكومين وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وإيقاف الحرب وتمرير الإغاثة للمواطنين المتضررين تحت إشراف المنظمات الاغاثية الدولية وتوفير الضمانات الكافية للمشاركة. وأكدت على ضرورة تلبية الحوار الوطني لرغبات وتطلعات الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية والسلام والاستقرار.
تحديات الحوار الوطني السوداني:
ü المشاركة لكل الأطراف (تحالف قوى الاجماع الوطني، الحركات المسلحة/الجبهة الثورية)
ü الاتفاق حول موقف عملية الحوار الوطني من الاستحقاق الدستوري للانتخابات لعام 2015م
ü مشاركة منظمات ورموز المجتمع المدني
ü الاتفاق على الهدف من الحوار الوطني وسلطات وصلاحيات عملية الحوار الوطني
ü الفترة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها عملية الحوار الوطني
ü التدخلات الأجنبية
ü حشد وتعبئة الجماهير لدعم عملية الحوار الوطني وحمايتها وضمان تنفيذ نتائجها
المجتمع المدني ومبادرات الاصلاح والحوار الوطني:
إن الآفة الكبري التي تقود إلى إنهيار مشروعات الإصلاح في السودان هي غياب الحاضنة الإجتماعية والوعي الكافي المساند والداعم والرقيب والضامن لوصولها إلى مآلاتها. فالمجتمع المدني ومنظماته ظل هو العمود الفقري لكل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حدثت في كثير من مناطق ودول العالم. إذ لم تعد الأنظمة والحكومات هي المسيطر الأوحد على حركة الاصلاح والتغيير في مجتمعاتها كما ظلت طوال عقد من الزمان. فحركة المجتمع المدني لم تعد رهنا للنخب السياسية والعسكرية يوظفونها كيف شاءوا لدعم طموحاتهم وتطلعاتهم السياسية والشخصية وإنما صارت حركته مستقلة وذاتية تستجيب فقط لما فيه مصلحة حقيقية وموضوعية للمجتمع والمواطن. عليه خاطئ وخاسر من يعتقد أن المجتمع المدني يمكن أن يبعد من أي معادلة وطنية تستهدف الاصلاح أو التسوية السياسية الشاملة في البلاد. فالدعوة للحوار الوطني من قبل النظام الحالي والتي وجدت قبولا من معظم القوى السياسية في البلاد وبدأت إجراءاتها العملية تتحرك نحو أهدافها لا يجب أن يسمح باعتراضها أو التراجع عنها. وذلك لأن تجارب الحوار الوطني في كثير من دول العالم التي تبنتها نجحت في نقل الوطن والأطراف المعنية فيه من مربع الأزمة إلى مربع الحل، بل حتى في الدول التي حدث فيها تراجع عن نتائج الحوار كان ذلك سببا فاعلا في معالجة الأزمة بطريقة أخرى بالضرورة ليست في صالح النظام أو القائمين عليه وبالتالي التراجع عن عملية الحوار الوطني تعود بالنظام والأطراف المعارضة إلى مربع الأزمة الأول وهو ما لا يحتمله النظام ولا الأطراف المعارضة ولا المجتمع الاقليمي والدولي. وعليه فإن تجارب الحوار الوطني ظلت على الدوام تمثل أفضل مخرج وحل سلمي للأزمات الوطنية المعقدة ويمكن إستعراض بعض نتائج الحوار الوطني في كل من:
· دولة الكونغو برازفيل: حينما اتفق الاطراف على أن نتائج الحوار الوطني لا تحتاج موافقة المؤسسات القائمة للنظام، بمجرد بداية الحوار فقد الرئيس الكثير من سلطاته وصلاحياته
· دولة النيجر: في خلال شهر من بداية عملية الحوار الوطني الرئيس فقد منصبه تماما
· دولة توغو:في دولة توغو حينما بدأت عملية الحوار الوطني في تجريد الرئيس من معظم سلطاته ودعت لتكوين حكومة انتقالية استخدم الرئيس الجيش والقوة في انهاء العملية بصورة احتفالية والسبب لأن وضع النظام كان أكثر قوة واستقرارا من الدول الأخرى التي نجحت فيها عملية الحوار بتغيير النظام تماما) ؟؟؟
اذا الشاهد أن عمليات الحوار الوطني هي البداية الحقيقية لإحداث الاصلاح والتغيير من خلال أوسع مشاركة يمكن أن تشمل كل الفاعلين السياسيين ومكونات المجتمع المدني، وأفضل وأسرع منهج سلمي لتحقيق الانتقال من حالة الأزمة التي فرضت القبول بمبدأ الحوار الوطني والدعوة له إلى حالة التوافق الوطني والسلام والاستقرار السياسي.
موقف المجتمع المدني السوداني من مبادرة الحوار الوطني:
لقد أشار الرئيس في مبادرته إلى أهمية مشاركة كل مكونات المجتمع بما في ذلك منظمات المجتمع المدني ولكن كل ما بدر من حراك وخطوات عملية تجاه الحوار الوطني لم تستصحبها بأي حال. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن جدية المبادرة في إشراك منظمات المجتمع المدني؟!ولنكون أكثر دقة فالمجتمع المدني نفسه يبدو منقسما إلى أكثر من طرفين، فطرف يمالي الحكومة ويحذو حذوها في رؤيته ومواقفه وآخر يقف على الضد من الحكومة لا شئ يدفعه لذلك غير معارضتها والتميز عنها وعن رؤاها ومواقفها. وطرف آخر لا يشغل نفسه لا بالحكومة ولا بمن يعارضها بل لا رؤية ولا موقف له من قضايا الشأن العام. وآخرون هم قليلون جدا يهمهم من الحكومة سياساتها ومدى استجابتها لمصالح المجتمع وأفراده والوطن وينظرون إلى المستقبل ولا يضيعون جهدهم ووقتهم في مماحكاة السياسة ومناوراتها التي غالبا لا تخدم إلا أصحاب الأجندات الخاصة وليست الوطنية.
عليه، فقد أظهرت بعض منظمات المجتمع المدني رؤاها ومواقفها من مبادرة الحوار الوطني في شكل بيانات وإعلانات ولكنها لم تخرج من ما ذكرنا آنفا من تصنيف والدليل أن هذه المنظمات لم تحاول إبتداء إدارة حوار داخلي مع مكونات المجتمع المدني التي هي أصلا يفترض أن تكون جزء منه وسارعت دون تروي إلى الإعلان عن رؤى ومواقف تصادم في جوهرها فكرة الحوار الوطني نفسه وهو موقف لا يتسق ومبادئ وقيم المجتمع المدني التي تركز على الاعتراف بالتعدد والآخر وإعلاء مبدأ الحوار وسيلة لحل الخلاف والتسامح ونبذ العنف والحرب ...الخ.
دور المجتمع المدني في الحوار الوطني:
أولا: ضرورة إدارة حوار شفاف حول مبادرة الحوار الوطني داخل المجتمع المدني بكل تعدديته دون إقصاء لأحد للتعرف على آراء بعضها البعض ومحاولة الخروج بموقف موحد أو على الأقل بأجندة الحد الأدنى التي تلبي مصالح وتطلعات المجتمع والمواطن والوطن
ثانيا: الاعتراف بتعددية المجتمع المدني وإحترام آراءه ومواقفه المختلفة وعدم التشكيك في وطنيته ما دام ملتزما بأجندة الحد الأدنى للمجتمع المدني
ثالثا: الضغط على الحكومة والأحزاب السياسية وإجبارها على إشراك ممثلين للمجتمع المدني بالحوار الوطني وفق نسبة تتناسب ولا تقل وأهمية ووزن المجتمع المدني (مقارنة مع تجارب المشاركة للمجتمع المدني في الحوار الوطني اقليميا ودوليا)
رابعا: إلتزام المجتمع المدني بالحث والضغط على الأطراف غير المشاركة بالحوار على المشاركة لضمان نجاح الحوار وتحقيقه لأهدافه الوطنية بأعلى نسبة نجاح
خامسا: إلتزام المجتمع المدني بدعم ومساندة الحوارمن خلال تعبئة وتحريك وحشد العامة وراء عملية الحوار، تركيزا على شمولية وشفافية العملية واجراءاتها ومخرجاتها وعدم التدخل في التأثير عليها تغليبا لتوجهات وآراء حزب أو تكتل سياسي على آخر إلا من داخل عملية الحوار ووفقا لقواعد المشاركة المتفق عليها سلفا.
سادسا: إلتزام المجتمع المدني بحماية وضمان تنفيذ كل مخرجات الحوار الوطني
اقتراحات وتوصيات:
لما كانت مبادرة الحوار الوطني تمثل مخرجا سلميا لأزمات البلاد المعقدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا فهي بالتالي لم تعد ملكا للأحزاب السياسية أو الحكومة التي أطلقتها وإنما هي صارت ملكا للشعب. والمجتمع المدني هو صوت الشعب وضميره. عليه تقترح الورقة ضرورة قيام المجتمع المدني بدوره في دعم مبادرة الحوار الوطني وحمايتها وضمان تنفيذ نتائجها من خلال تحالف أو جبهة عريضة تضم أكبر عدد من منظمات المجتمع المدني لمراقبة وحماية عملية الحوار الوطني تحقيقا للأهداف الوطنية التي يتطلع لها الشعب السوداني والتي ظل ومنذ الاستقلال في 1956م يحلم بواقع أفضل ومستقبل أكثر عدلا ورفاهية. ويتوقع من هذا التحالف أو ما يتفق عليه المشاركون من مسمى له، أن يعمل فقط على المحافظة على فكرة ودعوة الحوار وضمان استمراره ومشاركة كل الأطراف المعنية فيه، وتفصيلا يمكن للتحالف أن يحقق الأهداف التالية:
1. التوعية بالحوار وقضاياه وأهميته
2. التشجيع والضغط على الأطراف المختلفة للمشاركة في عملية الحوار الوطني دون شروط
3. تأسيس مجموعات (شبابية) لدعم عملية الحوار الوطني بالولايات والمحليات والقرى
4. تدريب القيادات والكوادر الناشطة والشبابية لتفعيل دورها في دعم الحوار الوطني
5. الرصد والمراقبة لعملية الحوار الوطني وأطرافها وإجراءاتها وتطورها ونتائجها حتى نهاياتها
6. حماية عملية الحوار الوطني من الاختراق الاجنبي والفشل
7. تعبئة وحشد الدعم الجماهيري لعملية الحوار الوطني
توفير الضمانات اللازمة لتنفيذ مخرجات ونتائج الحوار الوطني