English

دور المجتمع المدني في الحوار الوطني

دور المجتمع المدني في الحوار الوطني

 

توطئة:

يمر السودان في الوقت الحالي بمفترق طرق، فالواقع السياسي، الأمني، الاجتماعي والاقتصادي أصبح غير مستقر ويحتمل الكثير من المفاجآت التي يصعب التنبأ بها. والنزاعات القبلية والحرب كلها صارت عناوين ثابتة في صحف وقنوات السودان الفضائية كما هي في كثير من صحف وقنوات العالم.  فالتعقيد هو السمة التي ارتبطت بطبيعة المشهد السوداني الكلي مما زاد من درجة الإحباط لدى ليس فقط المواطن السوداني وإنما كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في الداخل. ويزداد المشهد صعوبة حينما تبدو فيه المفارقات السياسية والأمنية والاجتماعية واضحة للعيان بكل سفور ورغم ذلك لا أحد يشعر بالخجل أو يملك الجرأة للإستنكار والنتيجة أن الخاسر الأول والأخير هو الوطن والمواطن.

نلحظ تململ الكثير من القوى المعارضة، والفئات الشبابية (داخل أحزابها والمستقلة)، وتزداد هجرة الريفييين للمدن خالقة لوضع لا يمكن التنبؤ بمآلاته حال حدوث أي إنفلاتات أمنية في ظل تهديد الحركات المسلحة والحديث عن انتشار للسلاح في مناطق النزاعات ودخوله حتى للعاصمة. علاقات السودان مع الخارج تحاصر ويضيق عليها يوما بعد يوم بحيث لم يعد النظام قادراً على إحداث إختراق مقدر فيها دون المبادرة بتقديم تنازلات داخلية أولا من خلال إدارة حوار إيجابي يقود إلى توافقات سياسية مع القوى المعارضة تعزز من قدرة النظام على المناورة والمحاصصة خارجيا. إنفلات الوضع في الجنوب وما نتج عنه من إفرازات على السودان يزيد أيضا الأمر تعقيداً. اذا المخرج كما أشرنا يبدأ من الإلتفات للداخل والتواضع على رؤية وطنية وخارطة طريق جديدة تنقل الواقع من مربع الأزمة إلى مربع الحل. 

 

مفهوم الحوار الوطني:

الحوار الوطني مفهوم يقصد به التداول بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة في رؤاها حول قضايا الوطن الأساسية كأفضل وسيلة لتجاوز الخلاف والأزمات سلميا وفي المقابل رفض كل أشكال الإقصاء والعنف اللفظي والمادي كوسيلة للحل للإشكالات الوطنية.

·        الحوار الوطني آلية تهدف لنقل وتوسيع المشاركة السياسية لتشمل ليس فقط الأحزاب والنخب السياسية والعسكرية ولكن أيضا مؤسسات المجتمع المدني، منظماته ورموزه.

·        هدف الحوار الوطني هو تحرير الاحتكار السياسي لقضايا الوطن من قبل جهة واحدة أو جهات مثل: النخب والأحزاب والحركات المسلحة وإتاحت الفرصة للآراء والمصالح المختلفة للتأثير في تشكيل المرحلة المقبلة أو الانتقالية واتجاهات التفاوض فيها.

·        الحوار الوطني ليس بالضرورة عملية ديمقراطية مجردة أو مثالية، بل في الغالب الأعم يتم إختيار المشاركين فيه بالتعيين أو الإختيار عبر كليات أو تكتلات أو تحالفات متراض عليها.

·        عملية الحوار الوطني لا تحكمها قواعد أو إجراءات راسخة وثابتة ولكنها تعمل على تصميم ووضع قواعدها وإجراءاتها حسب الحاجة والاتفاق.

اذاً عملية الحوار الوطني تسعى لتوسيع المشاركة وتجاوز إحتكار الأحزاب والنخب السياسية والعسكرية لقضايا الوطن، بالرغم من أنها لا توفر مناخا ديمقراطيا كاملا لإختيار المشاركين، ولأجندة الحوار ومنهج ونتائج التفاوض.

العوامل المؤثرة في شرعية وفعالية عملية الحوار الوطني:

أولا: حجم ومكونات عملية الحوار الوطني:

·        كثرة أو قلة  قضايا الحوار الوطني؟

·        الأطراف المشاركة وكيف يتم إختيار ممثليها في العملية؟

ثانيا: سلطات وصلاحيات عملية الحوار الوطني:

·        علاقة هذه السلطات والصلاحيات مع مؤسسات الدولة القائمة كالبرلمان والحكومة؟

·        مدى إلزامية مخرجات ونتائج عملية الحوار الوطني للأطراف المشاركة ولمؤسسات الدولة القائمة؟

ثالثا: إستقلالية عملية الحوار الوطني:

·        هل تحتاج نتائج وقرارات عملية الحوار الوطني لإعتماد من مؤسسات الدولة القائمة أم هي نهائية؟

ملاحظات عامة ونماذج من نتائج ومقررات عمليات الحوار الوطني:

·        في بعضها كونت حكومات انتقالية أو وضعت دساتير انتقالية أو برلمانات انتقالية

·        بعضها ساهم في اشراك الفاعلين في العملية السياسية ورعت المفاوضات المستقبلية بينها (أي كان دور الحوار الوطني هو بناء الثقة بين الأطراف وتنظيم العملية التفاوضية بينها)

·        في بعضها يتم نقاش السلطات والصلاحيات في دوائر أصغر من النخب السياسية ولكن عملية الحوار نفسه تتم في نطاق أوسع (اليمن)

·        بعض آليات الحوار الوطني تجاوزت صلاحياتها وإدعت لنفسها السيادة وقامت بالإطاحة بالأنظمة القائمة (وخطورة هذه الخطوة في حالة رفض النظام القبول بنتائج العملية ولجأ للقوة والعنف للدفاع عن نفسه وسلطته)

·        عملية الحوار الوطني تحتاج إلى وضوح وموضوعية في سلطات آلية الحوار وصلاحياتها بجانب تحديد دقيق لعلاقتها مع النظام القائم ومؤسساته قبل بدء العملية. ويجب أن لا يغيب عن فطنة الأطراف أن التجارب لا تنقل نصا ولكن يهتدى بها ويؤخذ منها حسب الحاجة أو يتم تكييفه ليناسب الواقع السوداني اذا لزم الأمر. وفي كل الحالات لابد من الاجابة على الأسئلة الهامة التالية قبل الدخول إلى عملية الحوار الوطني:

ü     ما هو الهدف الذي يريد أن يحققه الحوار الوطني؟

ü     وما هي السلطات والصلاحيات التي تمنح لآلية الحوار الوطني؟

ü     وما هي العلاقة بين آلية الحوار الوطني والمؤسسات القائمة؟

(إن الإجابة على هذه الأسئلة بوضوح يجعل من السهل جدا تعبئة العامة والمجتمع المدني لدعم الحوار وضمان نجاحه.)

آلية الحوار الوطني: المهام والصلاحيات

الإفتراض الأساس لتكوين اللجنة أو الآلية أن تعبر عن إرادة غالب الأطراف الأساسية المعنية بالمشاركة في الحوار الوطني وعليه يراعى فيها أن تتكون بموافقتهم ومشاركتهم وأن تعكس في تكوينها تعددية وتنوع وشمول المشاركين في عملية الحوار؛ وتكون صلاحياتها على الوجه التالي:

ü     تحديد معايير المشاركة في الحوار وطريقة إختيار المشاركين

ü     الاشراف على عملية الاختيار للمشاركين

ü     وضع مسودة لأجندة الحوار وإعداد المشاركين وتأهيلهم للتفاوض حسب الأجندة والقضايا المطروحة

ü     تأسيس سكرتارية فعالة لمتابعة عملية الحوار

ü     إعداد وتحضير الدعم الإداري والفني لعملية الحوار (التأمين والقاعات والخدمات ....)

ملاحظات عامة حول عمليات الحوار الوطني:

ü     المفاوضات الأولية في لجنة أو آلية الحوار الوطني يجب أن تشمل مشاركة القوى السياسية الأساسية حتى يتم ضمان مشاركتها في عملية الحوار.

ü     لجنة أو آلية الحوار الوطني إن لم تكن شاملة كل الأطراف المعنية يجب بإستمرار ترك الباب مفتوحا للقوى السياسية غير المشاركة للمشاركة في أي وقت.

ü     اذا حاولت لجنة أو آلية الحوار الوطني تعدي صلاحياتها الممنوحة لها ففي ذلك تهديدا للعملية ومخاطرة قد تؤدي إلى فشلها